أخر الاخبار

نظرية تناقض الذات

وضـع إدوارد تـوري هيجينـز فـي الفترة التي تقع بين عامي 1987 و 1999 مفهومـا يحاول أن يفسر مصدر الحزن والقلق بكل أشكالهما وقد أطلق على هذا المفهـوم اسم نظرية تناقض الـذات، ووفقا لنظرية هيجينز فـإن الفرد يعاني الحـزن عندمـا يشعر بأن أمالـه وطموحاته لـم تتحقق، بينما يعاني الفرد القلق عندما يشعر بعدم تلبية واجب من واجباته أو التزام من التزاماته.

وتقـول نظـريـة تناقض الـذات إن الفرد يـدرك خلال مسيرته في الحياة أن تحقيق أهدافـه وطموحاتـه قد يؤدي إلى مكاسب مؤكـدة مثل الحـب والقبول، فالطموحـات والإنجازات تتحد بعضها مع بعض لتكون المبـادئ وهذه المبادئ ترشـد الفـرد إلى ذاته المثالية، وعندما يشعر الفـرد بأنه قد لا يتمكن من تحقيق أحـد أهدافه فإنه يبدأ تدريجيا توقع فقدانه تلك المكاسب، ما يؤدي إلى وقوعه في الحزن والاكتئاب وخيبة الأمل.

وتنص نظرية تناقض الذات على أن الفرد سوف يتعلم خلال حياته كيف ينفذ التزاماته ويلبـي واجباته؛ لكي يتجنب التعرض للعقوبـة والنتائج غير المرضية وبمرور الوقت تخلق هذه التجارب لدى الفرد مجموعة مجردة من المبادئ توجهه في حياته، فإذا شعر الفرد بأنه لم يلب الالتزامات والواجبات التي تمليها عليه تلك المبادئ ينتابه شعـور أو إحساس بأنه سيتعرض للعقاب وهذا الشعور يأتي عبر القلق والانفعال.


أدلة نظرية تناقض الذات

أجـرى إدوارد توري هيجينز تجربة عام 1997 مـع عدد من زملائه الباحثين في محاولة لإثبات صحة نظرية تناقض الذات، وفـي البدايـة طلب مـن المشاركين في التجربة أن يقوموا بسـرد أية سمات يتمنون أن لو كانوا يتصفون بها، وبعد ذلك يقومون بسرد أية سمات يشعرون بأنها ينبغـي لـهـم أن يتحلوا بها، وتعرف هذه السمات بالسمـات المثالية والسمات الواجبة. 
ثم طلب من المشاركين أن يسردوا السمات التي يتحلون بها فعليا من بيـن تلك السمات، وفي الخطوة الأخيرة مـن التجربة جرى تقييم الانفعالات التي شعر بها المشاركون باستخدام مقياس مكون من أربع نقاط.

وجـاءت نتائج التجربة متسقة مع الأفكار التي طرحتها نظرية تناقض الذات، فالأفراد الذين شعروا بعدم تلبية قيمهم المثالية (يشار إلى هذا الأمر بالتناقض المثالي الفعلي) كانت لديهم معدلات أعلى مـن الحزن، بينما كانت لدى الأفراد الذيـن كـانـوا غيـر راضين (يشـار إلى ذلك بالتناقض المثالي الواجب) عن تحقيقهم الأمور الواجبة عليهم معدلات أعلى من الانفعالات.

عوامل التعقيد

هناك عدة عوامل للتعقيد بالنسبة إلى نظرية تناقض الذات فالانفعالات الناتجة عن تناقضات الذات تعتمد على إذا ما كان الشخص قد أقدم على اختيار طموحات معينة بنفسه أم لا؛ حيث يرى هيجينز أن الإخفاق في الأهداف التي فرضها الآخرون يؤدي إلى الشعور بالإحراج والخجل لا إلـى الشعور بالإحباط والاكتئاب، وبالمثل فإن الإخفاق في تلبية الالتزامات التي فرضها الآخرون تخلق شعورا بالأستياء.

فـي عـام 1998 أجريت دراسة تدحض نظريـة تناقض إدراك الذات حيث برهنـت على أن أي نوع من التناقض الناتج عن الشعور بالخجل دون الخوف هو في الحقيقة عبارة عن شعور بالاكتئاب الناتج عن التناقضات المثالية الفعلية والتناقضات الواجبة الفعلية، وكانت هذه الدراسة إحدى الدراسات التي حاولت أن تضـع بدائل لنموذج تناقض الذات عند هيجينز، وسنأتي فيما يلي على ذكر عدد من البدائل المقترحة.

تأثير المال في العقل

وبالنسبـة إلـى الكثيرين منا يمثل التناقض بين مـا لدينا من ثروة حالية ومكانة وممتلكات وما نرغب فيه من تلك الأشياء مصدرا دائما للاكتتاب والانفعال، ومع أننا قد نتوق إلى كسب المزيد من المال واكتساب المزيد مـن السمات فـإن الدراسات قـد أظهرت أن هذا الأمر لا يحسن حالتنا العامـة بدرجة كبيرة بل إنه قد يحولهـا إلى الأسوأ.

وقد توصلت دراسات عديدة إلى أن رغبة البعض في الحصول على المزيد من المال بما يفوق حاجتهم لم يكن لها أي تأثير فـي مشاعرهم ورضاهم عن حياتهم، وأن التناقض الذي كان موجـودا لديهم فيما يتعلق بمـا يمتلكونه من مال وما يرغبون في كسبه كان مرتبطا ارتباطا عكسيا بتحسن حالتهم المعيشية بصفة عامة (المشاعر والرضا).

التناقضات المتعددة

وضع أليكس ميشالوس نظرية التناقض المتعدد عام 1985، حيث ادعى أن الفرد قد يشعر بعدم الرضا أو بالحزن بسبب ثلاثة أشيـاء:
  • إذا كانت الموارد المتاحة للفرد والضرورية في حياته ليست هي الموارد نفسها المتاحة لأشخاص أساسيين في حياته، أو كانت أكثر منها (وهو ما يعرف بتناقض المقارنة الاجتماعية).
  • وإذا كانت الموارد متاحـة للفرد في وقت معين قد لا تكون متاحة له بعد ذلك (ويعرف هـذا بتناقض مقارنة الإمكانات السابقـة).
  • وإذا لم يكن بمقدور الفرد أن يحصل على الموارد التي يرغب فيهـا (ويعرف هذا بتناقض الرغبـة ويشبه الفكرة التي تقوم عليها نظرية تناقض الذات).

الذات غير المرغوبة

يعتقد بعض الباحثين أن التناقضات تنشأ من الذات غير المرغوبة فيما يتعلق بالمـزاج والرضـا وبدلا مـن التركيز على المثل العليا، وفي عـام 1987 أجريت دراسة من قبـل دانيال إم. أوجيلفي الأستاذ بجامعة روتجرز وجرى تقييم الذات الحقيقيـة والـذات المثاليـة والـذات غير المرغوبة، ولتقييم الذات غيـر المرغوبة طلب من المشاركيـن أن يصفـوا أنفسهم عندما كانوا فـي أسوأ حالاتهم.
 وقد توصلت الدراسة إلى أن التناقضات بين الـذات الحقيقية والذات غير المرغوبة كانت مرتبطة بشدة بالرضا، بينما لم تكن التناقضات بين الذات الحقيقية والذات المثالية مرتبطة بالرضا بالقدر نفسه من القوة، وتقوم النظريـة وراء هذه النتائج على أن الذات غير المرغوبة أكثر ارتباطا بالواقع، في حين أن الذات المثالية عبارة عن مفهوم يشوبه الغموض؛ لأنها لا تقوم على أساس من التجارب الحقيقية.

نظرية الهروب

تزعـم نظرية الهروب أن الفرد عندما يشعر بأن المعايير المهمة بعيدة المنال وغير قابلة للتحقيق ينشأ لديه تناقض ذاتي شديد ينتج عنه اندفاع قوي نحو الهروب من الواقع، وقد تظهر الرغبة في الهروب من خلال سلوكيات من النوم الطويل وتعاطي بعض المواد المخدرة والميول الانتحارية.

 ووفقا لنظرية الهروب، فإن محاولة الانتحار تسبقها عدة مراحل، هي:
  1. شعور الفرد بالإحباط أو الفشل نتيجة إدراكه التباين بيـن قدراته والمعاييرالتي يصبو إلى تحقيقها. 
  2. بعدها ينسب الفرد الفشل إلى نفسه بدلا من أن ينسبه إلى المواقف العابرة.
  3. يزداد وعي الشخص بذاته إلى حد بعيد ويبدأ تقييم سلوكه باستمرار وتزيد حالة الوعي هذه من المشاعر السلبية لدى الفرد تجاه نفسه.
  4. هنا يحدث التفكيك المعرفي حيث يرفض الشخص أية وجهات نظر سابقة ويتجنب الأهـداف ويفكر بطريقـة واقعيـة ويرفض الغاية في أي شيء، وانطلاقا من حالة التفكك هذه تصبح الإجراءات العنيفة والسلوكيات غير المنطقية والمشاعر السلبية أمورا مقبولة ويتم تضخيمها.

وهكذا يصبح الانتحار هو المفر النهائي للفرد، وتظهر تلك الدائرة المفرغة القوة الفريزيـة لهذه التناقضات، سواء أكانت تلك التناقضات ناشئة بين الذات الحقيقية والذات المثالية أم كانت بين الذات الحقيقية والذات غير المرغوبة.






تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق