أخر الاخبار

جان بياجيه.. مراحل التطور المعرفي



Bert Verhoeff / Anefo, CC0, via Wikimedia Commons

من هو جان بياجيه؟

ولـد جان بياجيه في التاسع من أغسطس عام 1896، في مدينة نيوشاتيل في سويسرا، وهو الأبن الأكبر لوالده الذي كان أستاذا لأدب العصور الوسطى، وكانت أمه قد أصيبت بمرض العصاب، وقد دفعته سلوكياتها في النهاية إلى الاهتمام بمجال علم النفس.

وبعـد أن أنهـى بياجيـه دراسته الثانوية، حصل على درجة الدكتوراه في العلـوم الطبيعية من جامعة نيوشاتيل، كما تلقي فصلا دراسيا في جامعة زيوريخ مما جعله مولعا بالتحليل النفسي، حيث قام بنشر بحثين يظهران أهتمامه الفكري في ذلك الوقت، وعمل بياجيه مدرسا لعلم النفس والفلسفة والأجتماع بين عامي 1925و 1929 في جامعة نيوشاتيل، وفي نفس العام حصل بياجية علي منصب ادارة المكتب الدولي للتعليم وأصبح رأيسا لهذة المنظمة الدولية حتي عام 1968.

 وسرعان ما انتقل إلى فرنسا وبدأ هناك دراساته التجريبية عن نمو العقل أثناء عمله في معهـد للبنين الذي أنشئه (الفريد بينيـه) ، وكان الاعتقاد السائد قبل أن يبدأ بياجيه عمله في التطور المعرفي هو أن التفكير لدى البالغين أكثر كفاءة من التفكير لدى الأطفال، ولكنه بينما كان يعمـل في معهد بينيه بدأ يهتم بالمبررات التي ساقها الأطفال عند إجابتهم عن الأسئلة الخاصة بالتفكير المنطقي بطريقة خاطئة، فقرر أن يقوم بدراسة منظمة للتطور المعرفي، فكان أول من أقدم على هذا الأمر.

وفي عام 1923 تـزوج بياجيـه بـ(فالينتينا شاتيناي)، وأنجب منها ثلاثة أطفـال، وهنا بدأ بياجيه الذي كان مفتونا بالفعل بدراسة النمـو العقلي والانفعالي يدرس مراحل نمو أطفاله بطريقة غير رسمية، وقد أدت الملاحظات التي خرج بها من تلك الدراسة إلى ظهور أهم وأشهر أبحاثه، وهو: مراحل التطور المعرفي.

لقـد تـرك  جـان بياجيه بصمتـه ليس فقط في مجال علم النفس، بل فـي مجـال التعليم، وعلـم الاجتماع، والاقتصاد، والقانون، ونظرية المعرفة مـن خـلال ما يزيد على سنيـن كتابـا ومـن خـلال المثـات مـن الـمـقـالات التي تم نشرها، وقد توفي جان بياجيه في السادس عشر من سبتمبر عام 1980.

نظرية "بياجيه" عن مراحل التطور المعرفي

عندما بدأ بياجيه العمل على نظريته عن مراحل التطور المعرفي، كانت هناك فروق كبيرة للغاية بين ما كان يقوم به وما تم القيام به في الماضي.
  • ركز بياجيه على الأطفال بدلاً من التركيز على جميع المتعلمين.
  • لم تناقش نظرية بياجيـه اكتساب سلوك محدد أو اكتساب المعلومات، بل نظرت إلى مراحل النمو بصورتها الشاملة.
  • اقتـرح بياجيـه سلسلة من المراحـل المنفصـل بعضها عن بعض، وهي المراحل التي تتجلى من خلال الاختلافات النوعية، وذلك بدلًا من الفكرة السائدة التي كانت تقول إن التطور المعرفي تدريجـي، وأن السلوكيات تنمو وتصبح أكثر تعقيدا.
وكان بياجيه يرى أن الأطفال لديهم بنية عقلية أساسية ناتجة عن الصفات الوراثية والتطور، وكان يرى أن تفكيرهم ليس أقل كفاءة من تفكير البالغين، وهذه البنيـة العقلية هي التـي يشتق منها التعلـم وتقوم عليها المعرفة، وانطلاقا من هـذا الافتراض، بدأ بياجيه تفسير العمليات والآليات التي تنمو لدى الأطفال، وتقودهم في النهاية إلى التفكير المنطقي والتفكير في استخدام الفرضيات، وكان بياجيه يعتقد أن الأطفال يخلقون فهما لبيئتهم، ويواجهون تناقضات بين ما هو معروف لديهم بالفعل ومـا سوف يكتشفونه، وتنقسـم نظريته عن التطور المعرفي إلى ثلاثة عناصر مختلفة:

1. المخططات

هي اللبنات الأساسية أو الوحدات الأساسية للمعرفة، ويرتبط كل مخطط بجزء مـن الواقع الحياتي، مثل التصرفات والأشياء والمفاهيم وكل مخطط هو سلسلة من الأشياء التي تمثل العالم، وتستخدم في فهم موقف محدد والتجـاوب معه، وعلى سبيل المثال إذا عرض الوالد على طفله صورة كلب، فإن الطفل سوف يخلق مخططا للشكل الذي يبدو عليه الكلب، أي أنه ذو أربع أرجل وذيل وأذنين.

ويكون الطفل في حالة من الاتزان أو التوازن العقلي، إذا تمكن من الوصول إلى تفسير من خلال مخططاته الحالية، فالمخططات تختـزن لكي تطبـق على حالات أخـرى فيما بعـد، وعلى سبيل المثال قد يكون الطفل مخططا لطريقة ترتيب الطعام في أحد المطاعم، وعندما يذهب إلى مطعم آخر فيما بعد سيتمكن مـن تطبيق ما تعلمه من قبل على هذا الموقف الجديد والمشابه.

وقـد زعم بياجيه أيضـا أن هناك مخططات قد تمت برمجتها في الطفل وراثيا، كتحفيز الطفل الرضيع لمص الأشياء.

2. العمليات التي تتحكم في الانتقال من مرحلة إلى أخرى

 يرى بياجيه أن النمو الفكري ناتج عن التكيف واحتياج المرء إلى أن يكون في حالة من التوازن دائما، ويحدث تكييف المعرفة بطريقتين، وهما:
  • الاستيعاب: أي استخدام مخطط موجـود بالفعل، وتطبيقه على موقف جديد.
  •  المواءمة: أي تغيير مخطط موجـود بالفعل، لكي يستوعب معلومات جديدة.
ولكي نفهم الاستيعاب والمواءمة بصـورة أفضل، يمكننا أن ننظر إلى المثال الأول الذي ضربنـاه للوالد الذي يـري طفله صورة الكلـب؛ إذ إن الطفل قد تكون لديه الآن مخطط لشكل الكلب وهو: أربع أرجل، وذيل، وأذنان، إلى آخره، فعندما يرى الطفل أي كلب في الواقع، يواجه الخصائص الجديدة التي لم تكن متوافرة في المخطط الأساسي، فهذا الكلب مكسو بالفراء ويلعق الأشياء بلسانه ويمكنه أن ينبـح وعدم وجود هذه الصفات فـي المخطط الأساسي يحدث حالة من عدم الاتزان لدى الطفل؛ ما يجعله يبدأ تكوين المعنى، ويحدث الاستيعاب عندما يؤكد لـه الـوالـد أن هذا أيضا كلب كالذي رآه في الصورة، فيبدأ الطفل استعادة التوازن عندما يدمج المعلومات الجديدة في المخطط الأساسي.

ولـكـن مـا الذي سيحدث إذا رأى الطفل قطا؟ علـى الرغم من أن القط يشبه الكلب في بعض الخصائص، لكنه حيـوان مختلف عنه فصوتـه مختلف ولديه القدرة على التسلق، كما أنـه مختلف عن الكلـب في تحركاتـه وتصرفاته، ومن ثـم يصـاب الطفل بعـدم الاتزان نتيجة رؤية القط، ما يضطره إلـى مواءمة تلك المعلومات الجديدة، وهكذا يتكون مخطط جديد يعيد الطفل إلى حالة التوازن.

3. مراحل التطور

 يرى بياجيـه أن التطور المعرفي يمـر بأربع مراحل، وتحدث هذه المراحل بالترتيب نفسه لدى كل طفـل بغض النظر عن ثقافته أو المكان الذي يعيش فيه، على الرغم من أن بعض الأطفال قد لا يصلون إلى المراحل الأخيرة.

  • المرحلة الحسية الحركية (من الولادة إلى سنتين): تركز هذه المرحلة على ثبات الأشياء، حيث يـدرك الطفل أن الأشياء ستظل على حالها حتى لو غابت عن سمعه وبصره.
  • المرحلة ماقبل العملياتية (من سنتين إلى سبع سنوات): وتركز على أن الطفل يجعل ذاته محورا له فيرى الأشياء من منظوره فحسب، مـا يعني أن الطفـل لا يمكنه أن يفهم وجهة نظـر الآخرين، وذلك من سن السنتين حتى السابعة.
  • مرحلة العمليات الماديـة (مـن سـن السابعـة إلـى سـن الحادية عشرة): تـدور هـذه المرحلـة حـول التحفظ؛ مـا يعني أن الطفـل لا يـزال عاجزا عن استيعاب المفاهيـم المجـردة أو الافتراضيـة، ولكنه يبـدأ التفكير بطريقة منطقية في الأشياء المحسوسة. 
  • مرحلة العمليات الرسمية (ما بعد سن الحادية عشرة): وترتكز هذه المرحلة على قدرة الطفل على معالجة الأفكار بعقله أو التفكير المجـرد، وفي هذه المرحلـة ينشأ التفكير الاستدلالي والتفكير المنطقيء والتخطيط المنظم.

نقد نظرية بياجيه

ينصـب الجزء الأكبر من الانتقاد على الأساليب التي اتبعها بياجيه في بحثه، فالنتائج التي توصل إليها لـم تشمل جميع الأطفال، فقد كان أطفاله الثلاثة، بالإضافـة إلـى غيـرهـم مـن الأطفال الذين شملتهم الدراسة، ينتمون إلى طبقة اجتماعية واقتصادية عليا، ما يعني أن هناك قطاعا يضم العديد من السكان لم تشملهـم الدراسة، وهناك دراسات أخرى خالفت ما ذهب إليه بياجيه من أن الأطفال ينتقلون تلقائيا من مرحلة إلى أخرى، ويعتقد كثير من علماء النفس أن العوامل البيئية لها هي الأخرى دور رئيسي في النمو.

وفي الختام يرى الباحثون أن بياجيه قد استهان بقدرات الأطفال، وأن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة والخامسة كان ارتكازهم على ذواتهم أقـل وذلك خلافا لما ذهب إليه بياجيه، وأن أولئك الأطفال كان لديهم فهم أكثر تعقيدا لعملياتهم المعرفية، ولكن على الرغم من ذلك كله فقد كان لفرضية بياجيه تأثيرها في الاهتمام بآليات التطور الفكري في مرحلة الطفولة، كما كان لها دور أساسي في العديد من النظريات التي ظهرت بعد ذلك حتى النظريات التي فندت استنتاجاته.















تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق