أخر الاخبار

سيجموند فرويد.. مؤسس علم التحليل النفسي

Carlos Toigo, CC0, via Wikimedia Commons

سيرته الذاتية

ولد سيجموند فرويد في السادس من مايو عـام 1856 في مدينـة فرايبرج بمورافيا الموجودة حاليا بجمهورية التشيك، وحين بلغ فرويد الرابعة من عمره انتقل من مورافيا إلى فيينا عاصمة النمسا حيث قضى أغلب حياتـه هناك، على الرغم من زعمه أنه لم يكن يحب فيينا.

وكان فرويد متفوقا في دراسته ولأنه كان يعتنق مذهبا روحيا معينا فقد اتجه إلى الالتحاق بكلية الطب بجامعة فيينا عـام 1873 ( حيث كانت كليتا الطب والقانون المجالين الوحيدين المتاحين لمعتنقي هـذا المذهب في فيينا أنذاك)، وعلى الرغم من أن فرويد كان يتمنـى القيام بأبحـاث في مجال علـم النفس العصبـي، فـإن الوظائف في هذا المجال كانت صعبة المنال، ونتيجـة ذلك أنشأ عيادته الخاصة وركز على علم الأعصاب.

وفـي أثنـاء التدريب تعرف علـى طبيـب ومختص فـي علم النفس يدعى (جوسيف بروير)، وقد ظهرت الأهمية البالغة لتلك العلاقة في تطور أعمال فرويد ، وذلك عندما بدأ (بروير) علاج مرضى الهستيريا من خلال التويم المغناطيسي، وتشجيع المرضى على التحدث عن ماضيهـم. 

وقد سمحت عملية التنويم المغناطيسي حيث أشارت إحدى المريضات لدى (بروير) التي خضعت للتنويم المغناطيسي بقولها: "إنه العلاج بالتحدث " للمرضى بدراسة الذكريات التي لا يمكنهم استذكارها فـي حالة الوعي. 

ونتيجة ذلك فقد خفت أعراض الهستيريا الموجودة لديهم، وقد اشترك فرويد و برویر في تأليف كتاب Studies in Hysteria، ثم سافر فرويد إلى باريس ليتعلم المزيد عن التنويم المغناطيسي على يدي طبيب الأعصاب الفرنسي الشهير (جان مارتن شارك).

 وفـي عام 1886 عـاد فرويد إلى فيينـا وأنشأ عيادته الخاصة واستخدم التنويم المغناطيسي بشكل أساسي مع مرضى الهستيريا والاضطرابات العصبية، ولكنـه سـرعـان ما أدرك أنه يستطيع أن يحقق مزيدا من النتائج مع مرضاه من خلال إجلاسهم في وضعيات مسترخية (كالجلوس على أريكة ) ، وكذلك من خلال تشجيعهـم علـى التحدث عن كل ما يوجد في أذهانهم (وهو ما يعرف بالتداعي الحـر)، وكان فرويد يعتقـد بذلك أنه سيتمكن من تحليل ما يقوله المريض وتحديد الحدث المؤلم الذي وقع للمريض في الماضي المسئول عن معاناته الحالية.

ثـم أعـقـب هذا الأمـر أشهـر الأعمال التي قام بهـا فرويد ، ففـي غضون خمسـة أعـوام نشر ثلاثة كتب امتد تأثيرها في مجـال علم النفس عقودا لاحقة وهـي: كتابه الصـادر عـام 1900 The Interpretation of Dreams ، الذي قدم فيه العقل الباطن إلى العالم، ثـم كتب كتـاب The Psychopathology of Everyday Life عـام 1901، حيث نظر لفكرة زلات اللسان  الـتـي عرفت لاحقا (بالزلات الفرويدية) وأنهـا عبارة عن تعليقـات ذات معنى، يكشفها الجانب اللاشعوري، وعام 1905 كان كتابه Three Essays on the Theory of Sexuality، الذي تحدث فيه عن عقدة أوديب بالإضافة إلى مسائل أخرى.

وصول الحزب النازي للحكم
وفي عام 1933 وصل الحزب النازي الي الحكم وأستطاع السيطرة علي مقاليد السلطة في ألمانيا، وبدأت إحراق مؤلفاته حيث كان أحد رواد العلم في عصره، ما جعله يشعر بأنه لا يحظى بالاهتمام المطلوب وأنـه غير مرغوب فيه، وفي عام 1938 استولت ألمانيا على النمسا، وصـودر جواز السفـر الخاص بـ فرويـد، ولكن سُمح لـه بالانتقال إلى إنجلترا، وذلك تحت تأثير النفوذ الأجنبي، وبسبب شهرته العالمية، حيث أقام في إنجلترا إلى أن وافته المنية عام 1939.

عائلته
كانت والـدة سيجموند فرويد هـي الزوجة الثانية لأبيه، وكانت أصغر منه بعشرين عاما، وكان لـ فرويد أخوان غير شقيقين، ويكبرانه بنحو عشرين عاما، في حين كان هو الابن الأكبر من بين سبعـة أبناء من أمه.

مراحل تطور النمو النفسي الجنسي

تعد نظريـة فرويد عـن النمو النفسي الجنسي واحدة من أشهـر نظريات علم النفس وأكثرها جدلاً، فقد اعتقد فرويد أن الشخصية في الجزء الأكبر منها تترسـخ عـنـد بـلـوغ السادسة من العمـر، وذلك بعـد اكتمال سلسلة من المراحل المتتابعـة بنجاح وهـذا النجاح يؤدي إلى الشخصية السوية، اما الفشل في تلك المراحل فقد يؤدي إلى شخصية غير سوية.

واعتقـد فرويد أن تسلسل تلك المراحل يعتمد على مناطق مثيرة للشهوة الجنسيـة فـي الجسـم (وهي أجـزاء حساسة في الجسم تثير اللذة الجنسية والرغبة، والتحفيز ) وإذا فشل الطفل في إكمال إحدى تلك المراحل، فإن اهتمامه ينصب على تلك المنطقة الجنسية ما يجعل الشخص يهتم بالانغماس في تلك الملذات، أولا يهتم بها عند بلوغه سن الرشد.


1- المرحلة الفموية ( من الولادة إلى ثمانية عشر شهرا)

حيـث يكـون فم الطفل هـو موضع اللذة مثـل استخدامه المص لأنه يخلق شعـورا بالارتياح والثقة، وإذا كان هناك إفراط فـي الإشباع خلال هذه المرحلة أو نقص فيه، فإن شخصية الطفل ستكون فموية أو شخصية مرتكزة على الفم، ويصبـح مشغولا بالسلوكيات المتعلقة بالفم.

ووفقا ل فرويد فـإن من يمتلكون هذه الشخصية غالبا ما يعضون أظافرهم أو يدخنون أو يشربون الكحوليات أو يسرفون في تناول الطعام، كما أنهم يتسمون بالسذاجة ويعتمدون على الآخرين ودائما ما يكونون أتباعا لغيرهم.


2- المرحلة الشرجية ( من ثمانية عشر شهرا إلى ثلاثة أعوام)
وفي هذه المرحلة يتجه تركيز الطفل بصورة أساسية إلى المثانة والتحكم في الأمعاء، حيث يحصل الطفل على اللذة من خلال تحكمه في هـذه الأمور، ويرى فرويد أن النجاح في هذه المرحلة يكون نتيجة استخدام الوالدين الثناء.

والمكافات مع تدريب الطفل على استخدام المرحاض وتركه يشعر بالقدرة على النجاح، فهذا السلوك من شأنه أن ينمي لدى الطفل الشخصية القادرة والمبدعة فيصبح في حياته اللاحقة، ويرى فرويد أن الوالدين إذا تعاملا مع الطفل بتساهل شديد خلال تدريبه على استخدام المرحاض، فإن ذلك قد يجعل شخصيته اندفاعية الطفل مولعا بالتخريب وعدم الاهتمام بالنظافة والإسراف، أما إذا كان أسلوب الوالدين شديد القسوة أو كانا يعمدان إلى إجبـار الطفل على استخدام المرحاض قبـل حاجته إليه، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى خلق شخصية الاستبقاء الشرجي ما يجعل الطفل مهووسا بالتفاصيل، والوصول إلى المثالية في كل شيء ومهووسا كذلك بالنظافة والقيادة.


3- المرحلة القضيبية ( من ثلاثة أعوام إلى ستة )
ويعتقـد فرويد أن مناطـق الإحساس بالمتعـة تتجه في تلك المرحلة إلى الأعضاء التناسلية، وهنا تبرز إحدى أشهر أفكاره (عقدة أوديب)، حيث يعتقد أن الطفـل فـي تلك المرحلة يحـب والدته حبا شديدا، فيرى أن والده ينافسه في الاستئثار بحنانها ويرغب في أن يحل محل والده، كما أن الطفل سيصاب حينها بالقلق الشديد عندما ينظر إلى والده باعتبـاره شخصا يحـاول أن يعاقبه على مشاعـر أوديب لديه، فبدلا من الدخول في شجار مع والده يرى نفسه مثل والده، فـي محاولة منه لكسب حنـان أمه، ويرى فرويد أن التثبيت في هذه المرحلة قد يؤدي إلى الانحرافات الجنسية والارتباك حيال الهوية الجنسية كما قد يؤدي إلى ضعفها. 

وفي عام 1913 جاء (كارل يونج) بمصطلح (عقدة إليكترا)، ويشير إلى علاقة مماثلة تمر بها الفتاة مع أبيها، ولكن فرويد لم يوافق على هذا المفهوم، معتقدا أن الفتاة كانت في الحقيقة تمر بحالة تتمنى خلالها لو أنها كانت ذكرا.


4- المرحلة الكامنة ( من سن السادسة حتى بداية البلوغ)
وفي هذه المرحلة تكبح الدوافع الجنسية للطفل الي اتجاهات اخري،  مثل التفاعلات الاجتماعية والأنشطة الذهنية، وفي هذه المرحلة يلعب الأطفال غالبا مع أبناء جنسهم ويتوقف التثبيت والنمو الجنسي النفسي.

 

5- المرحلة التناسلية ( من بداية البلوغ حتى تمامه )
وهي المرحلة الأخيرة في نموذج فرويد، وتتضمن الدوافع الجنسية مجددا، والرغبة في الجنس الآخـر، فإذا اكتملت المراحـل السابقة جميعـا بنجاح فإن الشخص سيكون واعيا و متوازنا، وسيكـون شعوره باللذة معتمدا على الأعضاء التناسليـة، ولكن إذا أصيب الشخص بالتثبيت عند هـذه المرحلة فإنه قد يعاني انحرافات جنسية.

ولقـد وجهت الانتقادات بالطبع إلى نظرية فرويد، فقـد صرف كل تركيزه إلى النمـو لدى الذكو كمـا أن أبحاثه لم تكن قائمة على سلوكيات الأطفال بل على روايات المرضى البالغين، كما أنه من الصعوبة بمكان قياس مدى دقة أفكار فرويد عن النمو النفسي الجنسي أو إخضاعها للاختبار، وذلك لطول المدة بيـن مـرحـلـة الطفولة الافتراضية "السبب"، وبلوغ مرحلة الرشـد، وهي المرحلة النهائية "الأثر".


النماذج البنوية للشخصية

يرى فرويد أن هناك عوامل مؤثرة أخـرى مهمة لفهم نمو الشخصية، وذلك إضافة إلى تصوراتـه عن النمـو النفسي الجنسي، ويحاول من خلال نموذجه البنيوي للشخصية أن يبين الطريقة التي يعمل بها العقل وذلك من خلال التمييز بيـن الأجـزاء الثلاثة التي تتألف منها الشخصية والعقل البشري، وهـي: الهو والأناء والأنا العليا.


الهو

وهـو جزء غريزي موجود لدى كل فرد منـذ ولادته وهو المسئول عن تلبية الحاجات الأساسية للطفـل، وقد زعـم فرويد أن الهو يعتمد على ما يعرف مبدأ اللذة، الذي يعني أن الهو يرغب في أي شيء يسبب له المتعة في الحاضرة، ويتجاهل العواقب المترتبة على ذلك أيا كانت فهو لا يولي أي شيء آخـر أي اعتبار ولا أي شخص قد يؤثر تحقيقه تلك اللذة فيه، وعلى سبيل المثال عندمـا يصـاب الطفل الرضيع بـأذى أو يرغب في تناول شيء مـا أو يحتاج إلى تغيير شيء ما أو يرغب ببساطة في جذب انتباه الآخرين إليه، فإن الهو يدفعه إلى البكاء إلى أن تلبي احتياجاته.

الأنا

وهـي الجانب التالي من الشخصية وينمو هـذا الجانب بصورة طبيعية على مدار الأعوام الثلاثة الأولى نتيجة تفاعل الطفل مع البيئة المحيطة به، وهذا ما حدا بـ فرويد إلى ادعاء أن الأنا تقوم على ما أشار إليه بـ"مبدأ الحقيقة" ، حيث تدرك الأنا أن هناك أشخاصا آخرين من حولنا لهم رغباتهم واحتياجاتهم ، وأن ذلك السلوك الاندفاعي والأناني من شأنه أن يؤدي حتما إلى إلحاق الأذى بهم ، ويكون عليهـا أن تفكر في مدى واقعية الظروف بينما تلبي احتياجات الهو، وعلى سبيل المثال يظهر تأكيد الأنا على نفسها عندما يتروى الطفل قبل أن يقدم على شيء غير مناسب؛لأنه يفهم العواقب السلبية التي ستحدث.

الأنا العليا

وتنمو عندما يبلغ الطفل سن الخامسة ويقترب من نهاية المرحلة القضيبية، ويتألف هذا الجزء من الأخلاق والمثل التي اكتسبناها وتلقيناها من والدينا ومن المجتمع، ويرى كثيرون أن الأنا العليا تساوي الضمير، حيث إن كلا المصطلحين يشير إلى جزء من شخصيتنا يحكم على تصرفاتنا، ويميز الصواب والخطأ منها.

ويرى فرويد  أن الأنا لدى الشخص السوي تكون أقوى من الهو والأنا العليا، إذ يتسنى لها أن تقف على مدى واقعية الموقف مع تلبية احتياجات الهو، والتأكد من أنها لا تتعارض مع القيم التي تقوم عليها الأنا العليا، وإذا كانت الأنا العليا هي الأقـوى فسوف تكون الأخلاق الصارمـة هي المنطلق الذي ينطلق منه الشخص، أمـا إذا كان الهـو الأقوى فسوف يسعى الشخص نحو تحقيـق اللذة على حساب الأخلاقيات، ما قد يؤدي إلى وقـوع أذى شديد (كما في حالات الاغتصاب، حيث يختار المرء تحقيق اللذة على حساب الأخلاقيات، وهذا علامة على قوة الهو).


تصور فرويد عن النفس الإنسانية

يـرى فرويد أن مشاعرنـا، ومعتقداتنـا، ودوافعنـا، وعواطفنـا الكامنة كلها مدفونة في اللاوعي، ومن ثم فهي غير موجودة في الوعي، كمـا يرى أن كلا من الوعي واللاوعي تفصل بينهما مستويات من الوعـي المختلفة، ولكي نفهم نظرية فرويد بصورة أفضل، عليك أن تتخيل جبلا جليديا. حيـث ترمز المياه المحيطة بالجبل الجليدي إلى "اللاوعي"، وتشمل كل ما لا يدخـل فـي نطاق الوعي، وهي الأشياء التي لم نمر بها، ولا ندركها، ومن ثم فهي لا تشكل جزءا من شخصيتنا، أو تؤثر في تشكيلها بأية حال.

أمـا قمة الجبـل الجليدي فترمـز إلى الوعـي وهي ليست سوى جزء صغير مـن شخصيتنا، ومـن ثم فهي جزء مألوف لدينا، حيث إننـا لا نعرف سوى القليل عـن الأشياء التي تشكل شخصيتنا، ويحتـوي الوعي على الأفكار والتصوراته ويوجد العقل الباطن أو ما قبل الوعي تحت الوعي مباشرة، ويرمز إليه بقاعدة الجبل الجليدي.

وإذا تم تنبيه اللاوعي فإنه يمكن الوصول إليه، ولكنه ليس جزءا فعالاً من الوعي ويتطلب مشقة في تنبيهه، وتحتوي هذه المنطقة على أشياء مثل ذكريات الطفولة ورقم الهاتف القديم، واسم أحد الأصدقاء الذين كنت تعرفهم عندما كنت صغيـرا، وغير هذا مـن الأشياء الموجودة في أعماق الذاكرة، وهي المنطقة التي توجد فيها أيضا الأنا العليا.

وحيث إننـا لا ندرك سوى قمة ذلك الجبل، فـإن منطقة تكون كبيرة إلى حد لا يمكن تصوره وتتضمن الجوانب المدفونة، التي لا يمكن الوصول إليها مـن الشخصيـة، وفي تلك المنطقـة توجد أشياء مثـل التخوفات، والدوافع غير الأخلاقية والتجارب المخجلـة والاحتياجات الأنانية والأمنيات غير المنطقية، والرغبات الجنسية غير المقبولة، وقد يوجـد الهو أيضا في هـذه المنطقة، أما بالنسبة إلى الأنا فهي ليست مرتبطة بجزء محدد من جبل الجليد ، فهي قد توجد في الوعي وما قبل الوعي واللاوعي.


إن تأثير "سيجموند فرويد" على مجالي الطب النفسي وعلم النفس لا يمكن إنكاره، فقد أحدثت أفكاره تغييرا كاملا في الطريقة التي ينظر بها إلى الشخصية والجنس والذاكرة والعلاج النفسي. وقد ظل عالـم النفس الأكثر شهرة على الإطلاق مدة قرن كامل بعد أن بزغ نجمه في هذا المجال للمرة الأولى.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق